لم يكن مخطئآ العم "جوته" حين قال يومآ :
((إن أقمت في العالم فر منك كالحلم ، وإن رحلت حدد لك القدر المكان ، لا الحر ولا البرد يمكن التحكم فيهما ، وكل ما يزدهر أمام عينيك سيشيخ على الفور ويذبل)).
تلك نظرة الفلاسفة التي تنثني تحت وطأة الهموم الأبدية المتكأكأة على هذا العالم من كل حدب وصوب والمنحنية تحت الظل الأيديولوجي العميق المصاحب للحكمة التائهة بعدما خبت جذوة التفكير المنطقي العقلاني والتي من خلالها بداء العالم ينحو منحى التفكير الملموس المضمخ بالمادة بتعدد إشكالياتها أكثر من المنحى المعنوي الذي قد يحرك ما في الوجود من أعماق.
هل حمل الإنسان محمل حياته على الجد وهل أدرك الإنسان بعقليته التي تميزه عن جميع الكائنات أن الحياة أكبر من أن نبحث فيها عن مجرد مجد سادر لا إقامة له أو عن طبقة بورجوازية نعيش فيها بوهم السعادة ،،
لقد أراد نيتشه يومآ أن يغير الإنسان وتشكيله بحسب معطيات الواقع الذي يراه إلا أنه لم يفلح لأن التركيبة الإنسانية أكثر تعقيدآ من أن يأتي نيتشه ويفك شيفراتها رغم عقليته الفذة ، لذلك إننا بالبحث في أعماق نفوسنا نقع غالبآ على أشياء كان يحسن أن تبقى في الخفاءأو في طي الكتمان أو حتى ما وراء الشمس حتى لا تزعزع قوانا المتهدلة فالعالم بملء ما فيه غارق في بحور من الغصص المريرة الذي بدوره يخترق كل الحجب وينفذ إلى أقاليم الإنسانية الذابلة ليقضي عليها ،،
إن الرؤيا التي تلامس واقعنا ما هي سوى أشباح تتراقص في أركان دنيانا القاتمة فتذوب كمدآ في المجهول البعيد حيث اللاوعي فنؤول إلى نتيجة مفادها إننا نجد في حقول أعماقنا النائية ما لا نبحث عنه ونبحث فيها أيضآ عما لا نجد ..
فهل الحياة أكثر رحابة مما أتصور أم أن الإنسان بجميع المفردات الجمالية الموهومة المرادفة له أضحى يعيش في مهزلة واقعية تسحق واقعه وتفترس أعماقه متيقنآ في ذاته بشيء من الصدق الذي يتفجر في دواخله أنه ولد من ضياع وسديم ، وكيف سيستريح في واحة الخلود المشكوك في أصل وجوده ؟!